الرد:
لقد كان في بدء الإسلام القتال محرم حتى على المظلومين من المسلمين ثم جاء الإذن بالقتال لرد العدوان عن أنفسهم ، قال تعالى : )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصررهم لقدير( (2)، وكذلك إن ابتداء الكفار بقتال المسلمين ، فلا بد من تحقيق العدل ، والرد بالمثل ولكن دون طغيان واعتداء ،قال تعالىوقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين( (3).
فاتهام الإسلام بأنه انتشر بالسيف فهذا ادعاء باطل ، فالإسلام لم يكره أحداً ، ولم يجبر إنساناً على اعتناقه لأن الله لا يقبل إسلام المرء إلا إذا كان مصدقاً ومعتقداً بأن الإسلام هو دين الله الخاتم الذي ينبغي أن يتبعه جميع البشر ، وهذا لا يتأتى لمن يجبر على اعتناق الإسلام فالإكراه ينافي أصل الإيمان ، قال تعالى : )لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي((4).
وما كان من فتوحات إسلامية لكثير من الدول ليس لإكراه الناس على الإسلام ،وإنما لإزالة منكر كبير من الأرض هو حكم طاغوت كافر ، حتى يرى الناس الإسلام على حقيقته من دون خوف ولا إكراه ، يرونه مطبق في البيت وفي السوق وفي المجتمع وفي سائر شؤون الدولة الإسلامية (دار الإسلام ) ويدل على ذلك أن في الإسلام تشريع (أهل الذمة) وهؤلاء غير مسلمين رغبوا في العيش في دار الإسلام مع المسلمين على أن يبقوا على دينهم ، والدولة الإسلامية تجبهم إلى طلبهم وتدخل معهم بعقد يسمى (عقد الذمة)بموجبه يصير آمناً على نفسه وماله ودمه مع بقائه على دينه ، وفي الغالب يسلم هؤلاء أو الكثير منهم ، ولو كان الإسلام ينتشر بالسيف لما شرع الإسلام عقد الذمة وآثاره ما ذكرته ، ثم إن الإكراه في باب العقائد لا يعتبر ولا يريده الإسلام والخلاصة فإن السيف الذي شهره المسلمون هو لإزالة العقبة عن طريق هداية الإسلام، وذلك بإزالة الحكم الكافر وقانونه الكافر وطرح الإسلام وعرضه وجهاً لوجه مع أولئك الناس الذين كانوا تحت سلطات الكفر ولا مجال للإكراه في حمل الناس على الإسلام.
والمسلمون إذ يفعلون ما ذكرت إنما يقومون به استجابة لأمر الله بإزالة المنكر من الأرض ولتخليص البشر من رجس الكفر و إيصالهم إلى ما يسعدهم في الدنيا بتطبيق حكم الإسلام عليهم في الدنيا والتسبب في إدخالهم إلى الجنة إن أسلموا بعد أن هيأ المسلمون لهم الجو المناسب لرؤية الإسلام ومعرفته عن قرب.
ولكن لكي ينتشر الإسلام وتعرفه جميع الشعوب وتقوى شوكته فلا بد للحق من قوة تحميه فما بالك بأعظم الحقائق وهو الدين العالمي والدين الخاتم الذي لا يقبل الله دين من أحد غيره ، قال تعالى ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ((5)ومع ذلك فمن مبادئ الإسلام أن يترك الحرية للأفراد في اعتناق الإسلام فمن شاء أن يدخل في الإسلام ليدخل ومن شاء أن يبقى على دينه بقي عليه ، له حقوقه وعليه واجبات تحفظ له كرامته في ظل حكم الإسلام .
ثم إننا عندما نستعرض بعض النصوص التي تلقي الضوء على أسلوب النبيr ووصاياه في الحرب ،نجد ما يلي :
1) لقد كان النبي rيدعو المؤمنين على عدم تمني لقاء العدو فكان يقول " لا تتمنوا لقاء العدو ، وإذا لقيتموه فاصبروا "(6).
2) لقد كان النبي r حريصاً على منع القتال حتى بعد أخذ الأهبة له،فهو يقول لمعاذ بن جبل وقد أرسله إلى اليمن :"لا تقاتلوهم حتى يقتلوا منكم قتيلاً ، ثم أروهم ذلك ، وقولوا لهم : هل إلى خير من هذا من سبيل ؛ فلإن يهدي الله على يديك رجلاً واحداً خير لك مما من حمر النعم" (7).
3) كان رسول الله r إذا بعث جيوشه أو سراياه قال لهم :"تألفوا الناس ولا تغيروا على حي حتى تدعوهم إلى الإسلام فوالذي نفس محمد بيده ما من أهل بيت من وبر ولا مدر تأتوني بهم مسلمين إلا أحب إلي من أن تأتوني بنسائهم وأبنائهم وتقتلون رجالهم "(
.
4) وكان r يوصي جيشه المحارب بألا يقوم بإتلاف زرع أو قطع شجر أو قتل الضعاف من الذرية والنساء والرجال الذين ليس لهم رأي في الحرب ولم يشتركوا فيها من قريب أو من بعيد ومن ذلك قوله :
" اغزو باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله أغزو ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا"(9).
5) وكان r ينهى عن المثلة ولو فعلها المشركون مع المسلمين، قال قتادة:" بلغنا أن النبي r بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة"(10).
6) ويأمر النبي r بدفن قتلى المشركين ، ولم يترك جثثهم نهباً لوحوش الأرض وسباع الطير ، كما نهى r عن الإجهاز على الجرحى .
7) وكان موقف النبي r من أعدائه المنهزمين كريماً للغاية ونضرب مثلاً واحداً لهذا المعنى الإنساني النبيل :
لقد كانت آخر حرب للنبي r مع قريش هي التي انتهت بفتح مكة للإسلام والمسلمين ..!
ثم ..ماذا ؟
ثم التقى النبي r مع هؤلاء الذين آذوه وعادوه واضطهدوا أصحابه وساؤوهم سوء العذاب ..حتى أن منهم من مات تحت وطأة العذاب وضراوة الفتنة ...
فماذا قال لهم النبيr ؟
وماذا قالوا له ؟
قال لهم: " ما تظنون أني فاعل بكم؟"
قالوا : خيراً ، أخُ كريم وابن أخٍ كريم !!
قال لهم : " لا أقول لكم إلا ما قاله أخي يوسف )لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين( (11) اذهبوا فأنتم الطلقاء"(12).
وموقفهr من الأسرى ، موقف رحيم فهو الذي يقول : "استوصوا بالأسرى خيراً"(13).
هذه هي أسباب الحروب عند المسلمين وهذه بعض مبادئها في الحروب ، وإذا أردت أن تعرف حروب اليهود و النصارى فهذا كتابهم المقدس يقول في الإصحاح العشرين من سفر التثنية العدد 10 وما بعده :
"حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك ، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاها الرب إلهك ، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من دون هؤلاء الأمم هنا ، أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبقِ منها نسمة ما ، بل تحرمها تحريماً : الحثيثيين ، والأموريين،والكنعانيين ، والغرزيين، والحوينن، واليبوسيين كما أمرك الرب إلهك ، لكي لا يعلموكم أن تعملوا حسب جميع أرجاسهم التي عملوا لآلهتهم فتخطئوا على الرب إلهكم"(14)
وهناك عدد من النصوص المحرضة على الحروب في أسفار العهد القديم في سفر الخروج الإصحاح الثالث والعشرين والرابع والثلاثين ، وفي سفر العدد الإصحاح الثالث والثلاثين، وفي سفر التثنية الإصحاح السابع ، وفي سفر القضاة ، وفي سفر صموئيل .. وغيرها من الأسفار المنسوبة لأنبياء بني إسرائيل .
هذا ما جاء في العهد القديم وهو يعتبر شريعة النصارى ؛لأن كتاب النصارى المقدس ليس فيه شريعة إلا بعض الوصايا ، فهم يعتمدون العهد القديم كشريعة لهم .
ومع هذا فإننا نجد في الإنجيل وعلى لسان المسيح u :
"لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض ، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً "(15).
وقال لهم المسيح : " من له سيف فليأخذه ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتري سيفاً"(16).
ويقول المسيح u :" أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي "(17).و انتقل المسيح إلى السماء بعد فترة زمنية قصيرة قضاها مع بني إسرائيل كان لا يزال في بداية دعوته ، في مرحلة الضعف وتسلط العدو فلم تتوفر له فرصة استخدام القوة على الكافرين ، ولكن " منذ اللحظة الأولى لظفر الكنيسة بالسلطة في عهد قسطنطين دخل مبدأ الكبح العام واستمر عشرة قرون شداد عانى من قسوته اليهود والوثنيون على السواء ، فأصدر قسطنطين قانوناً يقضي بحرق اليهود ،وشرعت عقوبة الإعدام للملحدين،ووضع (تيود سيوس) في أواخر القرن الرابع قوانين صارمة تتضمن ستاً وستين مادة لمقاومة الهرطقة .
أما "من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر "فكلام لم يعرفه المسيحيون مع أنفسهم يوماً ولا مع أعدائهم ساعة.يذكر المؤرخون أن الذين قتلتهم المسيحية في انتشارها في أوروبا يتراوح عددهم بين سبعة ملايين كحد أدنى وخمسة عشر مليوناً كحد أعلى ، وفضاعة هذا العدد تتضح عندما نتذكر أن عدد سكان أوروبا آنذاك كان جزءاً ضئيلاً من سكانها اليوم!
تقول ملكة إنجلترا (الكاثوليكية)في القرن السادس عشر في كتاب (بناة الإنسانية):"بما أن أرواح الكفرة سوف
تحرق في جهنم أبداً ؛ فليس هناك أكثر شرعية من تقليد الانتقام الإلهي بإحراقهم على الأرض"(18).
وإذا استعرضت تاريخ المسيحية مقارناً بتاريخ الإسلام ستجد الهوة الكبيرة بينهما ، سترى تاريخ المسيحية ملطخ بالدماء في جميع حقبه الزمانية ..
" ففي الحروب الصليبية – التي استمرت أكثر من ثلاثة قرون ضد الإسلام والمسلمين- أبيدت الملايين ودمرت القرى والمدن ، وهدمت المساجد والمعابد، وكانت تبقر بطون الحوامل لإخراج الأجنة ثم حرقها بعد ذلك في ضوء الشموع والمشاعل .
ستجد أن (شارلمان) هو الذي فرض المسيحية بحد السيف ، والملك (ركنوت) cnurهو الذي أباد غير المسيحيين في الدنمرك .
والملك (أولاف) ذبح كل من رفض اعتناق المسيحية في النرويج ،قطع أيديهم وأرجلهم ونفاهم وشردهم ، حتى انفردت المسيحية بالبلاد.
وفي الجبل الأسود – بالبلقان – قاد الأسقف الحاكم (دانيال بيتر وفتش peterwvich) عملية ذبح غير المسيحيين ليلة عيد الميلاد عام 1703م.
وفي الحبشة قضى الملك سيف أرعد(1342-1370م)بإعدام كل من أبى الدخول في المسيحية أو نفيهم من البلاد "
ثم نجد أن المسيحية-وليس الإسلام-هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا ..
ثم نجد المسيحية هي التي اقتلعت الشعب الفلسطيني من أرضه لتسليمها إلى أعداء المسيح ومحمد -عليهما السلام- على السواء.
هل المسلمون هم الذين أبادوا ستة ملايين يهودي في السجون وأفران الغاز؟ أم المسيحيون ؟
ثم من الذي أشعل الحروب العالمية ، لقد قتل في الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين وفي الثانية حوالي 70مليون ، وكم قتل من البشر بالقنابل الذرية التي ألقيت على (نجازاكي )و(هيروشيما)، وترى المسيحية في حربها الصليبية عندما حاصرت بيت المقدس وشددت الحصار ورأى أهلها أنهم مغلوبين فطلبوا من قائد الحملة (طنكرد) الأمان على أنفسهم وأموالهم فأعطاهم الأمان على أن يلجأوا إلى المسجد الأقصى رافعين راية الأمان فامتلاء المسجد الأقصى بالشيوخ والأطفال والنساء ، وذبحوا كالنعاج وسالت دماءهم في المعبد حتى ارتفعت الدماء إلى ركبة الفارس وعجت شوارعنا بالجماجم المحطمة والأذرع والأرجل المقطعة والأجسام المشوهة ، ويذكر المؤرخون أن الذين قتلوا في داخل المسجد الأقصى فقط سبعين ألفاً ولا ينكر مؤرخو الفرنج هذه الفضائح.
لكنك إذا التفت إلى الجانب الإسلامي بعد 90 سنة من هذه المجزرة فتح صلاح الدين بيت المقدس فماذا فعل ؟
لقد كان فيها ما يزيد على مائة ألف غربي بذل لهم الأمان على أنفسهم وأموالهم "(19).
وعصرنا اليوم خير شاهد على ذلك ،نرى اليهود ماذا يفعلون في فلسطين ، ونشاهد المسيحيين ماذا يعملون ..لقد قصفوا أفغانستان ،ثم تحولوا إلى العراق ليدمروها فقصفوا وقتلوا وعاثوا في الأرض فساداً ..فأين وصايا المسيح التي يدعونها ويتشدقون بها ؟؟!!!
~
--------------------------------------------------------------------------------
(2) الحج:39.
(3) البقرة:190.
(4) البقرة : 256.
(5) آل عمران (85)
(6) أخرجه البخاري في الجهاد 32/112، 156 ،ومسلم في الجهاد 19/20.
(7) سنن البيهقي ، الجزء التاسع ، ص (106)
(
زوائد الهيثمي ،الجزء الثاني ،الحديث رقم(637).
(9) صحيح مسلم ،الجزء الثالث ،الحديث رقم(1731).
(10) صحيح البخاري ، الجزء (5)،الحديث (3956).
(11) يوسف :92
(12) أخرجه البخارى في المغازي 3/345
(13) مناظرة بين الإسلام والنصرانية .ص338-341.
(14) سفر التثنية (20/10-18)
(15) متى(10/34)
(16) لوقا (22/36-37)
(17) لوقا :11.
(18) حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح .د/ عبد الودود شلبي ص(190-191) بتصرف.
(19) المرجع السابق ص(192-197)بتصرف
منقول للفائدة